مستقبل الأمة الإسلامية
على ضوء مرويات حذيفة بن اليمان t
د.محمد سعيد حوى
جامعة مؤتة/كلية الشريعة
خلاصة
أرشدنا
النبي r إلى أهمية معرفة خصائص الرجال، واستكشاف المستقبل، فبين كثيراً من
ذلك، ومن هؤلاء الأعلام الذين تتلمذوا في مدرسة النبوة واهتموا بمعرفة المستقبل:
الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان t؛ فجاءت هذه الدراسة لبيان أهمية معرفة المستقبل، وخاصة ما يتعلق
بحسن الفهم والعمل، وعدم اليأس، واستكشاف منهج التعامل مع تلك الفتن.
كما
ركزت الدراسة على معرفة مراحل الأمة الإسلامية في ضوء ما صح عن حذيفة t عن رسول الله r في حديث: (كان الناس يسألون رسول الله عن الخير...) وحديث: (تكون النبوة
فيكم ما شاء الله أن تكون...).
كما
عُنيت الدراسة بالكشف عن أحاديث حذيفة الصحيحة في الفتن، وعددها سبعة، عدا ما سبق،
ولفتت النظر إلى ما لم يصح في هذا الباب، وعددها خمسة وعشرون حديثاً، هذا من غير
البحث في مرويات المهدي والدجال والسفياني.
The
Future of the Islamic Nation In The Light of the Narrations of Hudhaifah Ibn
Al-Yaman (May Allah Be Pleased With Him).
By Dr. Mohammad Said Hawwa
Mutah University - Faculty of Shariah – Theology department
ABSTRACT
The prophet (Peace
Be Upon Him) guided Muslims to the importance of knowing the characteristics of
men, and to explore the future, and he explained and clarified many sides of
these topics. Among the companions who learned at the School of prophecy and
were interested in knowing the future: the noted companion Hudhaifah Ibn
Al-Yaman (May Allah Be Pleased With Him). This study demonstrate the importance
of knowing the future, especially which related to the good understanding of
Islam, the work and not to despair. The study will try to explore and conclude
the approach to deal with future trials and tribulations, the study also
focused on knowing the stages of the Muslim Ummah in the light of the saheeh
hadeeth narrated by Hudhaifah Ibn Al-yaman: (The people used to ask Allah's
messenger about good, but I used to ask him about evil…) and ( the prophecy
will stay among you until what God willing, then...). This study also meant to
study and detects the saheeh hadeeths narrated by Hudhaifah about the trials
and tribulations which is seven, except for the above. The study drew attention
to what is not saheeh in this section, which is twenty-five text. Finally the
study did not include the texts about Mahdi, Antichrist, and Sufyani which need
another separate study.
المقدمة
من الأهمية بمكان
استشراف المستقبل، و معرفة خصائص الرجال واهتماماتهم، وقد حرص النبي r على الأمرين معاً؛ فحدثنا كثيراً عن المستقبل؛ وحديثه في ذلك وحي
وحق؛ ليكون ذلك من أعلام نبوته، ولئلا نقع في اليأس إذا ما مرت بنا الشدائد،
ولنتعرف إلى الفتن قبل وقوعها، و لنحسن العمل، ونجده r كثيراً ما
ينوه ببعض خصائص أصحابه، فكان أبو بكر الصديق t وعمر
الفاروق t، وكانا وزيريه r ([1])، وكان علي t أقضى الصحابة([2])، وكان أبو عبيدة t أمين هذه الأمة([3])، وفي الحديث عَنْ أَنَسٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : « أَرْحَمُ أُمَّتِي بأمتي أَبُو بَكْرٍ،
وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ،
وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَقْرَؤُهَا
لِكِتَابِ اللهِ أُبَيٌّ، وَأَعْلَمُهَا بِالْفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ،
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ
الْجَرَّاحِ »([4]) وكان أبو هريرة t أكثرهم رواية وأحفظهم([5])، وكان ابن عباس رضي الله عنهما العالم
بكتاب الله([6])، وكان أبو ذر t الأكثر زهداً([7])، واشتهر معاوية t وعمرو بن العاص t بالسياسة والحنكة، واشتهر خالد t بفنون الحرب
والقتال([8])، وغيرهم كثير، ومن ثمّ فقد اشتهر
عن حذيفة t حرصه على معرفة الشر ليتجنب، وكان أمين سر النبي
r إذ عرفه بأسماء المنافقين([9]).
إن التعرف
إلى خصائص كل صحابي، واهتماماته، ثم دراسة رواياته فيما كانت له فيه عناية خاصة
مما يجعلنا نقف على جانب مهم من العلم والتربية النبوية، كما نقف على منهجه r في الكشف عن خصائص الرجال واستثمار ذلك، ومن ثمّ رأيت ونظراً لما
عرف عن حذيفة t من اهتمام خاص بأحاديث الفتن، وبالنظر لما تمر
به الأمة؛ رأيت من المهم أن نلقي الأضواء على هذا الجانب_المستقبل_ بما يبعث الأمل
ويصحح العمل؛ إضافة إلى التعرف إلى ما صح في هذا الباب، وتمييزه عن غيره، مع حسن
الفهم ودقته؛ إذ تكثر الدعاوى في ذلك، و من ثمّ كانت هذه الدراسة، وجاءت في سبعة
مطالب:
المطلب الأول: ترجمة موجزة للصحابي الجليل حذيفة بن
اليمان t.
المطلب الثاني: اهتمام حذيفة بن اليمان t بأخبار الفتن والمستقبل وسعة علمه بها.
المطلب الثالث: في إفادة الصحابة من علم حذيفة t بالفتن.
المطلب الرابع: في المراحل العامة لمسيرة الامة.
المطلب الخامس: في ما صح عن حذيفة t فيما يكون بين يدي الساعة.
المطلب السادس: منهج التعامل مع الفتن على ضوء مرويات
حذيفةt.
ملحق: في أحاديث عن حذيفة t عما يكون بين يدي الساعة، ولم تصح.
ثم الخاتمة، وفيها: أهم نتائج الدراسة.
وخلاصة منهجي
في ذلك:
_ تتبع مرويات حذيفة؛ مستعيناً بـ«المسند الجامع»([10])، وكتاب الفتن([11])، وكتاب الفتن والملاحم، لابن كثير([12]).
- قمت بتخريج الأحاديث، وحكمت على كل حديث بما يناسبه.
- اعتمدت في الاستنباط على ما كان صحيحاً سالماً من
العلل.
- فصلت الدراسة في حديثي حذيفة t: (كان
الناس...) و (تكون النبوة...) أمّا الأحاديث الأخرى فاقتصرت الدراسة على عرض
النصوص ونقدها وبيان مفرداتها؛ لاستكشاف معالم المستقبل، وإلا فإن كل حديث يمكن أن
يكون موضوع دراسة مستقلة مستفيضة؛ نقداً وفقهاً؛ وحسبي في ذلك أن أكون قد وضعت
أساساً بين يدي الباحثين في هذا الشأن.
- بقي من أحاديث حذيفة في هذا الشأن مروياته في الدجال
والمهدي والسفياني([13])؛ فوجدت أنها تصلح موضوعاً مستقلاً؛
لسعتها من جهة، وكونها أحداثاً قائماً بذاتها.فإن وفقت فبفضل الله وتوفيقه، وإن
أخطأت أو قصرت فمن نفسي وأستغفر الله.
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين
د.محمد سعيد
حوى
المطلب
الأول:
ترجمة
موجزة للصحابي الجليل حذيفة بن اليمان t
اسمه
ونسبه:
هو حُذَيْفَةُ بنُ اليَمَانِ بنِ جَابِرٍ العَبْسِيُّ ([14]).
قال الذهبي:مِنْ
نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ
صَاحِبُ السِّرِّ ([15]).
وَاسْمُ أبيه
اليَمَانِ: حِسْلٌ - وَيُقَالُ: حُسَيْلٌ - ابْنُ جَابِرٍ العَبْسِيُّ،
اليَمَانِيُّ، أَبُو عَبْدِ اللهِ، وكان أصاب دماً فهاجر إلى المدينة، و حالف بني
عبد الأشهل فسماه قومه اليمان لكونه حالف اليمانية([16]).
ومن
مناقبه:
1- لحذيفة t فِي (الصَّحِيْحَيْنِ): اثْنَا عَشَرَ
حَدِيْثاً، وَفِي البُخَارِيِّ: ثَمَانِيَةٌ، وَفِي مُسْلِمٍ: سَبْعَةَ عَشَرَ
حَدِيْثاً([17]).
2- حرص
حذيفة وأبوه رضي الله عنهما أن يشهدوا بدراً، ولم يتمكنا، وسبب ذلك مارواه حُذَيْفَةُ؛
قال: مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْراً إِلاَّ أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي،
فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: إِنَّكم تُرِيْدُوْنَ مُحَمَّداً! فَقُلْنَا:
مَا نُرِيْدُ إِلاَّ المَدِيْنَةَ؛ فَأَخَذُوا العَهْدَ عَلَيْنَا:
لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى المَدِيْنَةِ، وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ؛ فَأَخْبَرْنَا
النَّبِيَّ r فَقَالَ: (نَفِيْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِيْنُ اللهَ عَلَيْهِم ([18]).
3- شَهِدَ حذيفة
وأبوه رضي الله عنهما أُحُداً، فَاسْتُشْهِدَ يَوْمَئِذٍ والده، قَتَلَهُ بَعْضُ
الصَّحَابَةِ غَلَطاً، وَلَمْ يَعْرِفْهُ؛ فلَمَّا شَدُّوْا عَلَى اليَمَانِ
يَوْمَئِذٍ، أخذ حُذَيْفَةُ يَصِيْحُ: أَبِي! أَبِي! يَا قَوْمُ! فَرَاحَ خَطَأً،
فَتَصَدَّقَ حُذَيْفَةُ عَلَيْهِم بِدِيَتِهِ([19]).
4- أنه الذي
أسرّ له النَّبِيُّ r بأَسْمَاءَ المُنَافِقِيْنَ([20]).
5- وَضَبَطَ
عَنْ رسول الله r الفِتَنَ الكَائِنَةَ فِي الأُمَّةِ([21]).
6- و هُوَ
الَّذِي نَدَبَهُ رَسُوْلُ اللهِ r لَيْلَةَ الأَحْزَابِ لِيَجُسَّ لَهُ خَبَرَ العَدُوِّ([22]).
7- و علَى
يَدِهِ فُتِحَ الدِّيْنَوَرُ عَنْوَةً([23]).
8- ولي لعمر
t المدائن، وبقي عليها إلى ما بعد استشهاد عثمان t ([24]).
وفاته:
روى جَمَاعَةٌ:
عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ حُذَيْفَةَ t المَوْتُ، قَالَ: حَبِيْبٌ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ؛ لاَ أَفْلَحَ مَنْ
نَدِمَ! أَلَيْسَ بَعْدِي مَا أَعْلَمُ! الحَمْدُ للهِ الَّذِي سَبَقَ بِي
الفِتْنَةَ! قَادَتَهَا وَعُلُوْجَهَا ([25]).
وروي عنه
أنه قال يوم موته سحراً: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ صَبَاحٍ إِلَى النَّارِ - ثَلاَثاً
- ثُمَّ قَالَ: اشْتَرُوا لِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ؛ فَإِنَّهُمَا لَنْ
يُتْرَكَا عَلَيَّ إِلاَّ قَلِيْلاً حَتَّى أُبْدَلَ بِهِمَا خَيْراً مِنْهُمَا،
أَوْ أُسْلَبَهُمَا سَلْباً قَبِيْحاً. فَجَاؤُوْا بِحُلَّةٍ ثَمَنُهَا ثَلاَثُ
مائَةٍ، فَقَالَ: لاَ، اشْتَرُوا لِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ ([26]).
ومَاتَ حُذَيْفَةُ t بِالمَدَائِنِ، أول خلافة علي سنة ست وثلاثين، بَعْدَ عُثْمَانَ، بأربعين
ليلة، وَلَهُ عَقِبٌ([27]).
المطلب
الثاني:
اهتمام
حذيفة بن اليمان بأخبار الفتن والمستقبل وسعة علمه بها
لقد اشتهر حذيفة بن اليمان t بحرصه على معرفة أخبار الفتن([28])؛ حرصاً منه على معرفة الشر ليجتنب،
وهو الذي اشتهر عنه حديث: ( كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن
الشر؛ مخافة أن يدركني...)([29]). فكان من ثمار ذلك أن حفظ لنا
جملة وافرة من النصوص التي تتكلم عن الفتن ومستقبل الآمة الإسلامية، وفيما يلي
بيان النصوص الواردة في بيان اهتمامه بذلك، وحرصه عليه:
الحديث الأول:
عن عبدالله بن يزيد عن حذيفة t أنه قال: (أخبرني رسول الله r بما هو كائن
إلى أن تقوم الساعة، فما منه شيء إلا قد سألته، إلا أني لم أسأله ما يُخرج أهل
المدينة من المدينة ([30])؟).
الحديث الثاني:
عن ابن شهاب أن
أبا إدريس الخولاني كان يقول: قال حذيفة بن اليمان t: (والله إني
لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي إلا أن يكون رسول
الله r أسر إلي في ذلك شيئاً لم يحدثه غيري، ولكن رسول الله r قال وهو يحدث مجلساً أنا فيه عن الفتن: منهن ثلاث لا يكدن يذرن
شيئاً، ومنهن فتن كرياح الصيف، منها صغار ومنها كبار، قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط
كلهم غيري)([31]).
الحديث الثالث:
عن شقيق، عن حذيفة t، قال: (قام
فينا رسول الله r مقاماً ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث
به، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون منه الشيء قد
نسيته فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه)([32]).
الحديث الرابع:
عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ t قَالَ: «مَا
أَنَا إِلَى طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِكُمْ بِأَهْدَى مِنِّي بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ
كَائِنَةٌ وَبِنَاعِقِهَا وَقَائِدِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»([33]).
الحديث الخامس:
عَنْ حُذَيْفَةَ
بْنِ الْيَمَانِ t قَالَ: «لَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِكُلِّ، مَا
أَعْلَمُ مَا رَقِبْتُمْ بِيَ اللَّيْلَ»([34])