التحقيق في أسباب
إجلاء بني قينقاع
إعداد:
د. محمد سعيد حوى
جامعة مؤتة
/ كلية الشريعة
قسم أصول
الدين
ملخص
تعد
قضية أسباب جلاء بني قينقاع من الأحداث المهمة جداً في السيرة النبوية، وقد وردت
فيها عدة مرويات تستحق نقداً ودراسة وتقويماً، وخاصة الرواية المتصلة بالاعتداء
على المرأة المسلمة في سوق قينقاع، وما يترتب عليها.
كما
أن المستشرقين استغلوا هذه القضية، محاولين تشويه نقاء السيرة، مقدمين أسباباً
مكذوبة لإجلاء بني قينقاع، ووقع بعض الباحثين الإسلاميين في تحليلات فكرية خاطئة
في صدد دراسة هذا الموضوع.
مما
يستوجب دراسة القضية برمتها، وبيان الحق فيها، ليتوصل الباحث إلى أن جلاء بني
قينقاع كان لارتكابهم جملة أعمال عدائية، كإعلان المعاداة والمحاربة والمحادّة لله
ولرسوله r ، وإظهار الحنق
والغيظ من انتصار المسلمين، والتواصل مع أعداء المسلمين من قريش، فكان لا بد من
مبادرة سريعة تجاههم، إذ لم يحفظوا للمسلمين إلّاً ولا ذمة.
ABSTRACT
It
was an important issue of prophet Mohammad's Sira the discussion about the real
reasons of why Bani qainuqa'a were forced to be out of Al-Madina. Many of those
related contexts describe what had happened need to be studied deeply as well
the need to be criticized and finally evaluated especially the part of story
related to the aggression on the muslim's woman and the sequences of such
story.
This
paper was because of many Orientalist perspectives which tried to abuse this
issue using some lies about what happened in order to give bad and wrong idea
about prophet Mohammad's Sira. This abuse had led many Islamic researchers to
the confusion of miss-analyzed studies about this issue. Therefore the purpose
of this study was to give a comprehensive academic view for the whole issue.
The
results of this paper show that Bani Qainuqa'a were forced to leave Al-Madina
because of many justified reasons such as: many aggressive acts toward Islamic
society, making contacts with enemies of islam and islamic society and cooperation
with the main enemy (Quraish). Hence the Islamic act of forcing them to be out
of Al-Madina was a must for preventing such harmful activities.
المقدمة
أَوْلى
المسلمون السنة النبوية كامل عنايتهم واهتمامهم؛ درساً وتمحيصاً لرواياتها، ونقداً
لأحوال رواتها، وسبراً لمتونها، توصلاً إلى معرفة الصحيح من السقيم، والسليم من
المعلول، وفاءً بحق السنة، وما يجب لها من كمال الطاعة والاتباع، امتثالاً للأمر
الرباني: ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ [ الحشر: 7 ]، وقوله: ﴿
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ﴾ [ محمد: 33 ]، وقوله تعالى: ﴿ فلا
وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت
ويسلموا تسليماً ﴾ [ النساء: 65 ].
فالسنة
هي المفصلة لمجمل الكتاب، والمبينة لأحكامه، والموضحة لمشكله، كما أنها قد تستقل
بجملة من الأحكام.
وتعد
السيرة النبوية جزءً لا يتجزأ من سنة رسول الله r، إذ السنة « ما أضيف إليه r من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية » ([1]).
والسيرة
لا تخرج عن كونها أقوالاً أو أفعالاً أو تقريرات أو أوصافاً له r.
ولقد بنى علماؤنا وفقهاؤنا كثيراً من أحكامهم الفقهية الدقيقة على أحداث في السيرة النبوية([2]).
ولئن
كان علماؤنا قد اتجهت همتهم الكاملة لنقد أحاديث العقائد والأحكام والآداب ومجمل
التشريعات، وفق منهج النقد الحديثي الدقيق؛ فلقد بذلت جهود مخلصة أيضاً للنظر في
أحداث السيرة النبوية في ضوء مقاييس النقد الحديثي، أذكر منها:
جهود
الأستاذ الدكتور أكرم ضياء العمري في كتاب السيرة النبوية الصحيحة.
والشيخ
سعيد حوى في كتابه الأساس في السنة وفقهها، قسم السيرة.
إلا
أنه ما زالت تطرح في المكتبة الإسلامية اليوم مؤلفات جديدة في السيرة النبوية
تفتقر إلى اعتماد النقد الحديثي الدقيق، إما لعدم دراية مؤلفيها بمنهج المحدثين في
النقد، أو لأنهم لا يرون إخضاع السيرة لموازين النقد الحديثي ([3])،
والباحث يعتقد أنه لما كانت السيرة جزءً لا يتجزأ من السنة النبوية وينبني عليها
أحكام فقهية، وربما عقائدية؛ فإنه يتوجب علينا أن لا نقبل من السيرة إلا ما صح وفق
قواعد علم النقد الحديثي، إلا ما يمكن أن يُعَدَّ
من باب الفضائل والرقائق؛ فإنه يتساهل فيه.
وقد
رأيت أن من موضوعات السيرة التي تستحق أن تدرس بعناية، دراية ورواية، نقداً
وتمحيصاً؛ موضوع إجلاء بني قينقاع، فعلى سبيل المثال يُلحظ اعتماد أكثر الكاتبين
في السيرة لقصة الاعتداء على المرأة المسلمة في سوق بني قينقاع، فما حقيقة هذه
القضية.
كما
أن الدارس لقضية جلاء بني قينقاع يلحظ أنها تمثل نموذجاً لأساليب المستشرقين في
الطعن في السيرة النبوية وتشويه نقائها، فيقدمون اليهود في صورة القوم المستضعفين
الذين يعتدى عليهم لمجرد أنهم ذوو أموال وتجارة وحضارة مادية، محاولين إخفاء
سلوكهم العدائي تجاه الإسلام والمسلمين.
وقد
رأيت ف