منهج
التعامل مع أحاديث الفتن والمستقبل
إعداد: أ.د. محمد سعيد حوى
جامعة مؤتة – كلية الشريعة – أصول الدين
Methodology Dealing with the Future Ahadith
By Dr. Mohammad Said Hawwa
Mutah University - Faculty of Shariah – Theology
department
الخلاصة
لا يخفى أثر الحديث عن المستقبل والفتن، مما جعل الحاجة
ماسة للوقوف على بعض ما يقع فيه بعض الباحثين والدعاة والوعاظ، فضلاً عن العامة،
من أخطاء ومخالفات وإشكالات، كالاعتماد على الضعيف والتنزيل الخاطئ، وتحديد تواريخ
غير صحيحة، مما قد يوقع في مواقف سلبية، أو ينسب لرسولنا ﷺ ما لا يثبت، أو يؤدي إلى التواكل
والاستسلام، ومن ثمَّ كان لا بد من بيان المنهج الدقيق في التعامل مع تلكم القضايا،
وخاصة ما يتصل بالفهم، والتنزيل، والنقد؛ فكانت هذه الدراسة.
ABSTRACT
Preachers Deal with the Future
Ahadith
By Dr. Mohammed Saeed Hawa
Mutah University - Faculty of
Shariah – Theology department
It
is undeniable the importance of Hadith about Fitnah (trial) and the future ,
this lead to an urgent need to find out some errors, problematic and
irregularities which made by some preachers and admonishes seeking of the
populace, which may lead to dependence on the weak chain of narrators and wrong
methodology and incorrect determine of dates , Which may be causing a
misleading assumption, or attributed to the Prophet ﷺ what
does not prove, or lead to reliance and surrender .For all what mentioned above
came the importance of explaining the accurate methodology in dealing with
these issues, especially those related to understanding, assumption, and
criticism, so we have this research.
المقدمة
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
لا يخفى ما لأخبار
المستقبل من أثر بالغ في النفس الإنسانية؛ لاشتمالها على المعلومة والتشويق
والإثارة والمتعة، أو التخويف، كما قد تتضمن تلك الأخبار توجيهاً في جوانب تربوية
وعملية؛ فضلاً عن الجانب العقدي الذي يجب أن نؤمن به؛ مما صح وثبت، لكن التعامل مع
هذه الأخبار قد تقع فيه أخطاء منهجية خطيرة، ومن ثمّ فلا بد أن تُخضع للمنهج
العلمي الدقيق.
أهمية الموضوع:
ومن خلال تتبع العديد من الكتابات([1]) والدروس والخطب والمواعظ؛ يلاحظ بعض الأخطاء والسلبيات والإشكالات التي تقع
من بعض؛ مما سنبينه، مما قد يؤدي إلى تواكل أو يأس، أو خطأ في التعامل كإسقاطها
على غير واقعها، أو انتشار ظاهرة التدين الشكلي الفردي، والنظرة الجزئية للقضايا
الشرعية، والتبرير للواقع، وترك العمل للإسلام.
أهداف الموضوع:
1- الوقوف على أهم الأخطاء المنهجية والعلمية التي رصدها
الباحث في التعامل مع أحاديث الفتن والمستقبل.
2- محاولة تقديم المنهجية العلمية الصحيحة؛ للإفادة
الإيجابية من تلك النصوص، وتجنب سلبيات التعامل الخاطئ.
الدراسات السابقة:
وقفت على بعض الدراسات والمؤلفات التي تتصل بموضوع
الدراسة نوع اتصال، أبيّن فيما يأتي مضمونها وصلتها بالبحث:
1- القواعد والضوابط في فهم أحاديث الفتن، وأشراط الساعة،
دراسة عقدية مقارنة، للباحث: خالد بن محمد بن سالم العبدلي، رسالة ماجستير مقدمة
لجامعة آل البيت،2008، بإشراف الدكتور شريف الخطيب، وركز فيها الباحث على الجوانب
العقدية والفكرية، وموضوع الظنية وكونها آحاد، ومدى الاحتجاج بها، وهي مفيدة في
بابها([2]).
2- استشراف المستقبل في ضوء الحديث النبوي الشريف، محمد
بشار الفيضي([3]).
3- استشراف المستقبل في ضوء السنة النبوية، عبد الرحمن قشوع([4]).
وهذان البحثان إنما يتكلمان عن حديث النبي عن المستقبل،
وكيف نفيد منه في حاضرنا ومستقبلنا، وهما مفيدان في بابهما.
4- منهج أهل السنة والجماعة في مواجهة الفتن، عبد الله
بانجوة الشبوي، بحث منشور على موقع منتديات مأرب،([5]). وأهم ما
فيه: التأكيد على توحيد الله والإخلاص، والتوبة والعبادة، والاعتصام بالكتاب
والسنة، والالتفاف حول العلماء، ولزوم جماعة المسلمين، وتحقيق الأخوة، والولاء،
والثقة بنصر الله، والنظر في عواقب الأمور، والحذر من الإشاعات، والمعرفة بمخططات
الأعداء، والبعد عن مواطن الفتن، والحذر من تسلل الأعداء، وقراءة قصص القرآن
بتدبر.
5- معالم ومنارات في تنزيل أحاديث الفتن والملاحم وأشراط
الساعة على الوقائع والحوادث، عبد الله بن صالح العجيري، في 195 صفحة، وخلاصة ما
فيه أنه بيَّن حِكم حديث النبي ﷺ عن الفتن وأشراط الساعة، ومخاطر التنزيل الخاطئ،
ثم ذكر معالم في تنزيل أحاديث الفتن، ومن أهمها: الاقتصار على النصوص الصحيحة،
التحقق من معنى النص وعدم التكلف، الرجوع إلى العلماء، التحقق من الواقعة، وعدم
محاكمة نصوص المستقبل للواقع([6]).
6- الضوابط الشرعية لموقف المسلم من الفتن، الشيخ صالح بن
عبد العزيز آل الشيخ، في 30 صفحة، وأهم الضوابط المذكورة: التأني والحلم، حسن
الفهم، الإنصاف والعدل، أن نزن الأمور بميزان الشرع، أن نحدث الناس بما يعقلون،
الموالاة للمؤمنين([7]).
7- سمات المؤمنين في الفتن وتقلب الأحوال، أيضاً للشيخ صالح
بن عبد العزيز آل الشيخ، ومن أهم السمات التي ذكرها: البعد عن الغضب، واجتماع
الكلمة، والسمع والطاعة لولاة الأمر، والرجوع إلى العلماء، وعدم الركون إلى
الإعلام المغرض([8]).
8- قواعد مهمة في مواجهة الفتن، وهو قريب جداً من بحث منهج
أهل السنة والجماعة في مواجهة الفتن المذكور سابقاً([9]).
9- معالم في التعامل مع الفتن، وهي على نحو ما ذُكِر سابقاً
في المراجع المذكورة، وأكد فيه على جمع الكلمة وإشاعة روح التفاؤل، والتثبت مما
يقال، والتروي في إبداء الرأي واتخاذ الموقف، والبعد عن مواطن الفتن، وترسيخ الفهم
الصحيح للقدر، ومراعاة المصالح والمفاسد([10]).
10- سبيل النجاة من الفتن، ولم يخرج عما ذُكِر([11]).
11- موقف المؤمن من الفتنة، عبد الله بن صالح العبيلان، ولا
يخرج مضمونه عما ذكر سابقاً([12]).
وبعد الاطلاع على تلكم المراجع؛ لاحظت أنها تتكلم عن
الموقف من الفتن إجمالاً، وأشار بعضها إلى جوانب مما يتصل بالحديث النبوي؛ فرأيت
الحاجة إلى بيان الأخطاء التي يقع فيها البعض في التعامل مع النصوص، ومن ثمّ تقديم
منهجية متكاملة فيها.
وقد جاء البحث في ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في التعريف بالمصطلحات ذات الصلة، وحِكم
وروُد أحاديث الفتن.
المطلب الثاني: أخطاء وسلبيات في التعامل مع أحاديث الفتن
والمستقبل.
المطلب الثالث: قواعد وضوابط في منهجية التعامل مع
أحاديث الفتن والمستقبل.
وخاتمة.
فإن وفقت فبفضل الله سبحانه وتعالى، وإن كانت الأخرى فمن
نفسي وأستغفر الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أ.د. محمد سعيد حوّى
كلية الشريعة / جامعة مؤتة
28 / 2 / 2016م
المطلب الأول
المصطلحات ذات الصلة
1- أحاديث المستقبل:
ترد أحاديث المستقبل في السنة تحت أبواب أشراط الساعة،
أو أبواب الفتن والملاحم، أو أعلام النبوة، فأشراط الساعة: هي الأمارات والعلامات
التي يعقبها قيام الساعة، أو تلك الوقائع التي تكون بين يدي الساعة مما أخبر عنه
النبي ﷺ إنذاراً أو بشارة، أو تعليماً
وتوجيهاً([13]).
ويطلق عليها
أحاديث الفتن والملاحم؛ لما فيها من معنى الاختبار والابتلاء والتمحيص.
2- الفتن:
الفتنة لغةً: أصلٌ يدلُّ
على ابتلاء واختبار([14]). وتطلق في الإصطلاح على: ما يتبين به حال الإنسان من الخير
والشر([15]). وقال
المناوي، الفتنة: البلية وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة([16]).
وعرفت بأنها: الامتحان أو الاختبار المذهب للعقل
أو المال أو المضل عن الحق([17]).
وأخطرها
نوعان: فتنة الشبهات. وهي أعظم الفتنتين، وفتنة الشهوات. وقد يجتمعان للعبد، وقد
ينفرد بإحداهما([18]).
ومن ثم يطلق مصطلح الفتن والملاحم على معنى خاص، ويقصد
بها الأحداث والوقائع التي فيها معنى الاختبار والابتلاء والتمحيص، والشدة، ومن
ثمّ فأحاديث الفتن والملاحم: تلك الأخبار الغيبية المستقبلية التي تحدث عنها النبي
ﷺ مما فيه ابتلاء وشدة، أو أحداث
عظام؛ تحذيراً، أو توجيهاً وإرشاداً ([19]).
حِكم ذكر أحاديث الفتن وأشراط الساعة:
1- أن بعض ما سيكون بين يدي الساعة مما تتزلزل له القلوب،
وفيه من الهول والشدة ما فيه، فعندما يكون المسلم على علم بها فإنه يتلقاها
باليقين بدلاً من أن تكون سبباً لزعزعة هذا اليقين.
2- أن الإخبار ببعض ما سيحدث يُعدُّ المسلمَ للتعامل مع هذه
الأحداث بما يناسبها؛ سواء من ناحية أحكام الفقه، أو من جهة الفهم؛ لئلا تكون
سبباً في فتنة أو انحراف.
3- تكشف هذه الأخبار عن كثير من الدعوات الكافرة والفرق
الضالة بما يحصِّن المسلم من أن يقع في أحابيلها.
4- التعرف إلى النصوص الصحيحة في هذا الباب يعمق لدى المسلم
الأمل؛ لئلا يقع في اليأس؛ إذ يبين مجمل هذه الأحاديث أن هذه الوقائع متغيرة غير
ثابتة ولا مستقرة، كما تبين سبل المواجهة لها.
5- كما أن فيها بياناً لبعض معجزات النبوة في إخباره عن غيب
سيقع([20]).
وإذ يتبين لنا كل ذلك؛ فإنه يتأكد لنا أهمية أن نحسن
التعامل مع أحاديث الفتن والملاحم والمستقبل.
المطلب الثاني
ما يقع من أخطاء وسلبيات في التعامل مع أحاديث الفتن المستقبل
لا شك أن هنالك من الباحثين والدارسين وأهل العلم وطلبته
والدعاة من هو على دراية وفقه راقٍ في تعامله مع أحاديث الفتن والمستقبل؛ بحيث
يختار منها الأصح والأرقى، ويوجهها التوجيه الأحسن، ويفهمها بما يتفق مع مراد
النبي ﷺ منها قدر الجهد البشري، ويحسن
تنزيلها على الوقائع، كما لديه من القدرة العلمية ما يعينه على رفع ما قد يرد في
بعضها من إشكالات، فضلاً عن حسن اختيار، مع ما يتفق مع الواقع والعصر أو المخاطب،
وهذا لا يمكن حصره، ومع ذلك فإن هنالك بعض السلبيات والأخطاء التي قد يقع فيها بعض
طلبة العلم أو الدعاة والوعاظ، فضلاً عن عامة الناس، في تعاملهم مع أحاديث الفتن؛
لمستُها عملياً من خلال سماعي لبعض منها؛ سواء على منابر الجمعة أو دروس المساجد،
أو ما يلقى في الفضائيات الإسلامية، وبعضها من الخطورة بمكان؛ فكان من المهم أن
نكشف عن هذه السلبيات والأخطاء لنحذِّر منها، ولنصل بعد ذلك إلى المنهج الأصوب في
هذه القضية، وفيما يلي بيان لأهم هذه السلبيات والأخطاء:
أولاً: الاعتماد على النصوص
الضعيفة أو الموضوعة: ولعل هذه من
أخطر ما يقع فيه بعضهم، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى أمور، منها:
1- افتقاد بعضهم القدرة على تمييز الصحيح من السقيم، مع عدم
الرجوع لأهل الاختصاص في ذلك.
2- اعتماد بعضهم على كتب لا تلتزم الصحة، ولا يقومون
بمراجعة هذه الأحاديث في المصادر المعتمدة التي تعين على تمييزها.
3- اعتماد بعضهم على مبدأ جواز العمل بالحديث الضعيف من غير
أن يلتزموا الشروط والضوابط الدقيقة التي وضعها علماؤنا للتعامل مع الحديث الضعيف.
4- أن بعضهم يعمد إلى الضعيف فيما يظن أن فيه تأثيراً على
العامة؛ بقصد هدايتهم ونحو ذلك، لكنه قد لا يدرك الأخطار التربوية والشرعية التي
قد تترتب على ذلك.
5- بعض من يلجأ إلى الأحاديث الضعيفة لا يتنبه إلى ما فيها
من إشكالات ومخالفات؛ كونها ضعيفة، فضلاً عن أن بعض هذه الروايات قد يندرج تحت
الضعيف جداً أو المنكر أو الموضوع، ثم تجده يتعامل معها على أنها في دائرة الضعيف،
والأسوء أنه يوهم بعضهم السامعيين أن ذلك مما يصح عن رسول الله ﷺ ، فيورد الروايات الموضوعة أو المشكلة أو المخالفة شرعاً.
ومن نماذج هذه الروايات: أخبار السفياني، وكلها لا تصح([21])،
وكذا الكثير من الأخبار التي تفصل في شأن المهدي المنتظر؛ فإنها ضعيفة، أو ضعيفة
جداً، ثم نجد من يوردها دون تمحيص([22]).
ومن أغرب ذلك: ما ذكره بعضهم مرفوعاً، بينما هو عن كعب
الأحبار؛ ومع نكارته يفسر به أحداث سوريا الحالية (2012-2015) وهو ما روي عَنْ
كَعْبٍ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الدُّنْيَا بِمَنْزِلَةِ
الطَّائِرِ، فَجَعَلَ الْجَنَاحَيْنِ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ، وَجَعَلَ
الرَّأْسَ الشَّامَ، وَجَعَلَ رَأْسَ الرَّأْسِ حِمْصَ، وَفِيهَا الْمِنْقَارُ،
فَإِذَا نَقَصَ الْمِنْقَارُ تَنَاقَفَ النَّاسُ، وَجَعَلَ الْجُؤْجُؤَ دِمَشْقَ،
وَفِيهَا الْقَلْبُ، فَإِذَا تَحَرَّكَ الْقَلْبُ تَحَرَّكَ الْجَسَدُ،
وَلِلرَّأْسِ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ مِنَ الْجَنَاحِ الْمِشْرَقِيِّ وَهِيَ عَلَى
دِمَشْقَ، وَضَرْبَةٌ مِنَ الْجَنَاحِ الْغَرْبِيِّ وَهِيَ عَلَى حِمْصَ، وَهِيَ
أَثْقَلُهَا، ثُمَّ يُقْبِلُ الرَّأْسُ عَلَى الْجَنَاحَيْنِ فَيَنْتِفَهُمَا
رِيشَةً رِيشَةً» ([23]).
ولخطورة هذه الروايات على الاعتقاد والعمل، فضلاً عن
نسبة ما لا يثبت لنبينا ﷺ ؛ أفرد
علماؤنا السابقون كتباً للتحذير من هذه الموضوعات والمنكرات([24]).
ثانياً: عدم
تحري الصحة في الأحاديث: وذلك أن
تروى أحاديث يُظن صحتها، ولا تصح، ومن ذلك:
يتناول بعضهم حديث عبد الله بن عمر، قال: «كنَّا قُعودًا
عند رسول اللَّه ﷺ فذكر الفتن
فأكثر في ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الأَحْلاَسِ([25])، فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الأَحْلاَسِ قَالَ:
هِي هَرَبٌ وَحَرْبٌ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ([26])، دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ
أَنَّهُ مِنّي وَلَيْسَ مِنِّي، وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ، ثُمَّ
يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ([27])، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ([28])؛ لاَ تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلاَّ لَطَمَتْهُ لَطْمَةً، فَإِذَا
قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ؛ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي
كَافِرًا؛ حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ: فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لاَ
نِفَاقَ فِيهِ، وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لاَ إِيمَانَ فِيهِ؛ فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ
فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ»([29]).
فهذا حديث صححه بعض أهل العلم، لكن قال أبو حاتم فيما نقله عنه ابنه: (روى هذا
الحديث ابن جابر، عن عمير بن هانىء، عن النبي ﷺ ، مرسلًا،
والحديث عندي فليس بصحيح كأنه موضوع([30])).
ثالثاً: التساهل في إطلاق الأحكام
النقدية على النصوص، وهذه مشكلة
أخرى؛ أننا نجد بعض الباحثين يصحح أحاديث، ولكن عند إخضاعها لقواعد النقد الحديثي
الدقيق لا نجدها تصح([31])، والسبب في هذا الخلل هو التساهل في تطبيق القواعد النقدية، ولعلّ من أمثلة ذلك حديث: «خذوا العطاء ما دام عطاء... ألا إن رحى الإسلام
دائرة، فدوروا مع الكتاب...»([32]).
رابعاً: الإستشهاد بالإسرائيليات:
تعريف الإسرائيليات: جمع
إسرائيلية، نسبة إلى بني إسرائيل، وإسرائيل هو: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل
عليهم السلام، ومن تناسل منهم إلى عهد موسى ومن جاء بعده من الأنبياء، حتى عهد
عيسى عليه السلام، وقد عرفوا «باليهود» أو بـ «يهود»، أما من آمنوا بعيسى: فيطلق
عليهم اسم «النصارى»([33]).
ولفظ
الإسرائيليات وإن كان يدل بظاهره على اللون اليهودي للقصص والروايات من الأخبار،
إلا أنه يراد به ما هو أوسع من ذلك وأشمل، فيعم اللون اليهودي واللون النصراني
للتفسير، وإطلاق لفظ «الإسرائيليات» على جميع ذلك، من باب التغليب للجانب اليهودي،
فيقصد بالإسرائيليات: تلك الأخبار المروية عن علماء أهل الكتاب إلى عهد النبي ﷺ مما فيه إخبار عن أمر مضى من بدء الخليقة، أو
سيأتي إلى قيام الساعة([34])، وبناء على
هذا التعريف لا يُعد ما صح عن رسولنا ﷺ من الإسرائيليات، وإن كان خبراً عن قضايا تتصل
بهم، إلا أنه قد تنسب أحاديث من ذلك لرسولنا ﷺ
، ولكنها لا تصح؛ ومن هنا وجب التحري.
لقد نقلت بعض كتب التفسير والرواية بعضاً من هذه
الإسرائيليات، وفي أغلب الأحوال من غير تمييز صحيحها من ضعيفها؛ مستدلين بما رواه
عَبْد اللَّه بْن عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: « بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا
عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»([35]).
وبما روي عَنِ ابْنِ أَبِي نَمْلَةَ أَنَّ رَسُولُ
اللَّهِ ﷺ قال: «إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ
الْكِتَابِ فَلاَ تُصَدِّقُوهُمْ وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا
بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ، وَإِنْ
كَانَ بَاطِلاً لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ»([36]).
فيزعمون أنه لا يشترط فيه الصحة ما دامت هي مجرد أخبار،
والواقع إن هذه من الأمور التي تسللت إلى بعض كتبنا، ولا ينبغي، وتزداد الخطورة
عندما ينسب بعضها إلى رسول الله ﷺ ، وكان
الواجب الإعراض صفحاً عن جميع هذه الإسرائيليات، لأنها في النهاية مصدر غير سليم،
وتؤثر في ثقافة المسلم، ولا يجوز لمسلم أن يكون له مصدر يؤثر في ثقافته إلا الكتاب
والسنة وما والاهما؛ ذلك أن هذه الإسرائيليات إما أنها مما لم يصح فكيف يجوز
روايتها، وإما أنها مخالفة للشرع كالتي تقدح بالأنبياء أو الملائكة؛ فمن باب أولى
الإعراض عنها وعن روايتها، وإما أنها مما لا نستطيع تمييزه؛ فهي تحتمل الصدق
والكذب؛ فالإنشغال في مثل هذه القضايا ضرره أكثر من نفعه، ويشغل كثيراً عن حسن
التدبر والتأمل من كتاب الله، فإن قال قائل: ما العمل إن صحت هذه الروايات عن رسول
الله ﷺ ؟ وأين تذهب بحديث «حدثوا عن بني
إسرائيل»؟ أقول: لقد بينت أن ما ثبت عن رسولنا ﷺ من غير شذوذ ولا علة لا يعد من الإسرائيليات
أبداً؛ لكن الإشكال في ادعاء نسبة بعضها إلى رسول الله ﷺ وهي في الواقع مما لا يثبت، وهذا مما يحتاج إلى أبحاث
تفصيلية، أما قوله: «حدثوا عن بني إسرائيل» فيمكن أن يفهم على معنى: حدثوا عما وقع
فيهم من انحرافات ومخالفات خطيرة وتصرفات سيئة، وما أنزل الله فيهم من عقاب مما
أخبرنا عنه سبحانه أو أخبرنا به الرسول ﷺ ؛ مما فيه
العظة والعبرة، أما أن نأتي إلى أخبارهم وقصصهم لنرويها كمواعظ دون تحرٍ، أو معرفة
صحة؛ فهذا مما لا يقبله منطق الشرع؛ وقد قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ
فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].
﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ
كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ [الإسراء: 36].
وحسبك للتدليل على خطورة هذا الموضوع ما قد يوردونه في
قصة هاروت وماروت، وخاتم سليمان، وقصة داود مع زوجة قائد عنده([37]).
ومن نماذج الإسرائيليات من مرويات المستقبل مما ينسب
لرسولنا ﷺ ولا يصح: ما يروى في قصة يأجوج
ومأجوج، عن أبي هريرة t، عن رسول الله ﷺ قال: «إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم، حتى
إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غداً، فيعودون إليه
كأشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا
كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله، فيعودون
إليه كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه، ويتحصن الناس
منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء، فترجع وعليها كهيئة الدم فيقولون قهرنا
أهل الأرض وعلونا أهل السماء؛ فيبعث الله عليهم نغفا في رقابهم فيقتلهم بها، قال رسول الله ﷺ : والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكراً من لحومهم ودمائهم»([38])،
قال ابن كثير: (إسناده جيد قوي، ولكن متنه في رفعه نكارة؛ لأن ظاهر الآية يقتضي
أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لإحكام بنائه وصلابته وشدته، ولكن هذا قد
روي عن كعب الأحبار، ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب... فحدث به أبو هريرة فتوهم بعض
الرواة عنه أنه مرفوع؛ فرفعه، والله أعلم).([39])
لا شك أن الإسرائـيليات هذه من الخطورة بمكان إذ قد
ينطوي بعضها على ما يخالف العقيدة الصحيحة من تجسيم لله تعالى أو سوء أدب مع
الأنبياء، كما أن روايتها قد تعطي صورة مشوهة عن ديننا؛ وأنه دين خرافي، فضلاً عن
أنها تصرف الناس عن المقاصد العظيمة التي أرادها الله ولأجلها أنزل القرآن العظيم؛
فتلهي عن التدبر لآياته والانتفاع بها بما لا طائل من ورائه؛ كالقصص التي أشرت إلى
بعضٍ منها؛ كقصة هاروت وماروت، والقصص المتعلقة بسليمان وداود عليهما السلام.
خامساً: رواية أحاديث الفتن
والمستقبل لمجرد الرغبة بالإغراب وامتاع المستمع دون القدرة على الفهم الدقيق.
وقد يورد لذلك ما لا يصح للسبب ذاته؛ كحديث أُمِّ
سَلَمَةَ، زَوْجِ النبي ﷺ ، عَنِ
النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «يَكُونُ اخْتِلَافٌ
عِنْدَ مَوْتِ خَلِيفَةٍ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَارِبًا
إِلَى مَكَّةَ، فَيَأْتِيهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَيُخْرِجُونَهُ وَهُوَ
كَارِهٌ، فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَيُبْعَثُ إِلَيْهِ
بَعْثٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَيُخْسَفُ بِهِمْ بِالْبَيْدَاءِ بَيْنَ مَكَّةَ
وَالْمَدِينَةِ، فَإِذَا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ أَتَاهُ أَبْدَالُ الشَّامِ،
وَعَصَائِبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ،
ثُمَّ يَنْشَأُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ، فَيَبْعَثُ إِلَيْهِمْ
بَعْثًا، فَيَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ بَعْثُ كَلْبٍ، وَالْخَيْبَةُ لِمَنْ
لَمْ يَشْهَدْ غَنِيمَةَ كَلْبٍ، فَيَقْسِمُ الْمَالَ، وَيَعْمَلُ فِي النَّاسِ
بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ ﷺ ،
وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ فِي الْأَرْضِ، فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ،
ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَالَ
بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامٍ: «تِسْعَ سِنِينَ»، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «سَبْعَ سِنِينَ»([40]).
سادساً: الحرص على مجرد سرد
الروايات على المنابر والدروس؛ دون القدرة على ربطها بالواقع، أو بيان حكمها وأحكامها، وكيف يمكن أن نفيد منها في واقعنا:
هذه من جملة ما قد يقع من خطأ، والأمثلة على ذلك كثيرة،
ولعل ما سبق من أمثلة يندرج تحت ذلك؛ فتجد من يورد أحاديث الدجال، لكنه لا يربطها
بالواقع من حيث التحذير من مسالك الدجالين وإغراءاتهم وما يفتن الناس به اليوم من
مظاهر قوة العدو وإعلامهم وترغيبهم وترهيبهم.
سابعاً: التنزيل الخاطئ لروايات
الفتن والمستقبل:
وهذا الأمر من أخطر ما قد يقع به بعض الدارسين([41]) وغيرهم؛ أنهم يحرصون على تفسير الواقع الذي يعيشونه بأحاديث وردت دون أن
يحققوا في مدى مصداقية هذا التنزيل والتفسير، وأمثلة ذلك في واقعنا عديدة؛ وسأوضح
ذلك عند بيان المنهج الصحيح في ذلك.
ثامناً: إيراد
أحاديث الفتن والمستقبل لغايات التخدير والإقعاد عن العمل وتعليق آمال الناس
بالغيب، مما يجعلهم يقصرون في واجباتهم، فضلاً عن مفاسد كثيرة.
ولعل من أبلغ الأمثلة على ذلك الروايات الكثيرة التي
يوردونها في شأن المهدي، وأنه هو الذي سيقيم الخلافة الراشدة، وأنه خلافته الخلافة
الوحيدة والأخيرة، وأن على يده يتم تحرير البيت المقدس ولا غير، وأنه لا خلافة ولا
فتح ولا تحرير إلا بعد ظهور صاحب الزمان «المهدي المنتظر»، ثم يزداد الأمر إشكالاً
وغرابة عندما تجد من يسوق روايات تتحدث عن الرايات التي تخرج من خرسان، أو قيام ما
يسمى بدولة السفياني([42])،
ثم تسقط دولته أمام دولة لآل البيت، وبقطع النظر عن صحة الأحاديث وضعفها في هذا
الشأن فإن مثل هذه الفهوم، مع كونها لا تعتمد تحرير ما صح مما لا يصح، فيها من
الخطورة الكثير([43]).
تاسعاً: التبرير للواقع:
من الأخطاء التي قد يقع فيها بعضهم أنه في خضم رواية
أحاديث الفتن والمستقبل تجده ينساق وراء تبرير الواقع المريض الذي تمر به الأمة،
كالتسليم للمستبدين، والتعامل مع المحتل كأمر واقع، وليس لنا أن نفكر قي التخطيط
للمستقبل والسعي لإصلاحه، وقد يستشهد البعض بحديث: عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ عَبْدِ
رَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: «دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ
فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً
فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ([44]) وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ([45]) إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الصَّلاَةَ جَامِعَةً. فَاجْتَمَعْنَا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ:
إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ
أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا
يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا
وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ
فَيُرَقِّقُ([46]) بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ
مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ
هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ
الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ وَمَنْ
بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ
اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ...»([47]).
إننا بحاجة إلى فهم متكامل للنصوص، فإن النصوص التي تأمر بطاعة أولياء الأمور، هي
التي بينت أن ذلك في طاعة الله، وبينت وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
عاشراً: المبالغة في تضخيم الأحداث
والتهويل، وتحميل النص ما لا يحتمل، على فرض صحته:
اعتاد بعض الدعاة أو الوعاظ أن يبالغوا في الترهيب
والترغيب، مما قد يؤدي إلى إيراد أحاديث لا تصح، وعلى هذا النحو نجدهم يسوقون بعض
الروايات التي تتحدث عن موضوع ما؛ فتجد بعضهم يبالغ ويهول في تصوير سوء الأمر
واسوداد الحال وانسداد الأفق، ولعل من أسباب ذلك ما أشرنا إليه سابقاً من خلط
الصحيح بغيره، مع عدم الفقه الدقيق بالروايات، ويضاف إلى ذلك انسياقهم وراء إشباع
عواطف العامة، والتأثير فيهم، فعندما يورد أحدهم حديث أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «بَادِرُوا
بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ
مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا؛
يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»([48])،
فتجده يصور كأن الحديث يتكلم عن واقعنا، وأن الناس قد غدوا ممسين مؤمنين مصبحين
كافرين، وأنه لا أمل ولا مستقبل أمام هذا الواقع، أو قد يورد بعضهم حديث أَبِي
هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى
تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ،
دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، قَرِيبٌ
مِنْ ثَلاَثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ
الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ
الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهْوَ الْقَتْلُ، وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ
الْمَالُ فَيَفِيضَ، حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ... الحديث»([49])،
ثم يبنون على ذلك أن كل هذه الأحاديث تتزامن مع واقعنا الآن، وأنها اجتمعت في وقت
واحد، وأنه بالتالي لا خير ولا أمل، مع ما يجره ذلك من يأس وقعود، مع أن النصوص
إنما تتكلم عن أحوال متفرقة تكون، فضلاً عن أن بعضها ربما يكون في أخر الزمان وليس
الآن.
حادي عشر: إصدار الأحكام الخاطئة
في حق الخلق:
إن عدم
التدقيق في صحة الأحاديث، سنداً ومتناً، ثم عدم التدقيق في ألفاظه التي تصح،
وتمييزها من الألفاظ الشاذة (هذا إن صح أصل الحديث) أو عدم الفهم الدقيق للحديث في
ضوء النظرة الشاملة للنصوص أو الخلط بين المفاهيم والمصطلحات، إن كل ذلك ترتب عليه
إصدار أحكام خاطئة في حق الناس، ولعل أبرز مثال على ذلك حديث افتراق الأمة، عند من
يصححه([50])؛
فتجد من يجعل الحديث ميزاناً للحكم على كل من خالف رأيه، وأنه في النار، وكل يدعي
أنه يمثل الحق، والفرقة الناجية، وغيره هو المخالف، مع أن كل هذه الألفاظ
والروايات تحتاج إلى دراسة علمية دقيقة، ليس هذا ميدانها.
ومن الأخطاء هنا أن تفسر الطائفة المنصورة([51]) بأنها هي الفرقة الناجية، ويقرنه مع حديث الافتراق، مع أن كل حديث يتكلم
عن أمر مختلف عن الآخر، ثم ستجد كل فئة تدعي أنها هي التي توافق ما عليه النبي ﷺ وأصحابه، بينما لو أنه اتبع
المنهج العلمي الدقيق في تحري الصحة سنداً ومتناً، وتمييز الشاذ من الألفاظ من
سواها، وجمع جميع النصوص ليتم حسن الفهم؛ لكنّا سنخرج بنتائج مختلفة.
ثاني عشر:
النظرة السلبية للفتن:
وهذا خطأ
آخر في التعامل مع الفتن؛ مما يؤدي ببعضهم إلى الوقوع في اليأس أو الانهيار
النفسي، أو الاستسلام؛ بينما قد يكون فيها خير كثير من حيث هي اصطفاء وشحذ للهمم،
وارتقاء بالأمة في مواجة التحديات والأخطار، وتمحيص وتطهير، وتمييز، وفضح
للمنافقين، وكشف للأعداء؛ ففي الآية الكريمة: ﴿ لاَ تَحْسَبُوهُ شَراً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [النور: 11].
وحِكم
الابتلاءات كثيرة، ومنها: ما ورد في قوله تعالى: ﴿ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ
الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ
مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 140-141].
وقال تعالى:
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ
يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ
اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2-3].
لكن أدب
المسلم دائماً أن يسأل الله العافية؛ فإن وقع بلاء صبر، ففي الحديث: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا
اللهَ الْعَافِيَةَ»([52]).
وبعد:
هذه جملة من أهم ما لاحظته من أخطاء وسلبيات يقع فيها البعض،
ومن ثم حاولت جمعها والتنبيه عليها، ولا شك أن ثمة أخطاء غير ذلك، وأمثلة عديدة
يمكن أن تقاس على ما ذكر فأكتفي بما ذكر.
المطلب الثالث
قواعد وضوابط في منهجية التعامل مع أحاديث الفتن والمستقبل
بعد أن استعرضنا أهم ما يلاحظ من أخطاء وسلبيات يقع فيها
بعضهم في تعاملهم مع أحاديث الفتن والمستقبل؛ أود أن أقدم بعض الضوابط والقواعد
التي لا بد لنا أن نلتزمها:
أولاً: التحقق من صحة الحديث سنداً
ومتناً:
ولئن كان ردّ الحديث الضعيف أمراً واضحاً، فمما يلاحظ هنا
أن البعض ربما اقتصر على دراسة ظاهر السند دون النظر في نقد المتن، وفق الضوابط
النقدية التي بيّنها أهل العلم، لذلك وجدنا الإمام ابن القيم رحمه الله ذكر في
كتابه المنار المنيف([53])
جملة من القواعد والضوابط التي تنبئ عن عدم صحة الحديث من حيث متنه، ولا أود الخوض
في هذا الأمر الآن أعني (نقد المتن وضوابطه) فلذلك كتبه المختصة([54])، ولعلّ من نماذج النصوص التي صُححت سنداً ولا بد
من النظر النقدي في متنها: حديث الجساسة الذي روي من طريق فاطمة بنت قيس عن النبي ﷺ ([55]).
وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، ومن وجوه نقده أن الحديث مما تفرد
به فاطمة بنت قيس، مع كونه مما خطب به النبي ﷺ على المنبر، وقد اعترض عمر على بعض حديثها([56])،
ومن هذه الوجوه: أنه قد صح عن رسول ﷺ قول: «رأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة
لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر أحد»([57])
وظاهر الحديث يخالفه، إذ يقتضي حياة الدجال واستمرارها؛ فبالنظر إلى بعض ما في
متنه نجد أن بعض أهل العلم قد توقفوا فيه؛ فمن هؤلاء الشيخ محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله؛ إذ قال: (إن النفس لا تطمئن إلى صحته عن النبي ﷺ لما في سياق متنه من النكارة)،
وقال ابن عثيمين: قد أنكره الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره إنكاراً عظيماً لأن
سياقه يبعد أن يكون من كلام النبي ﷺ (أي إن في نفسه منه شيء، فهو لا يظهر له أنه
صحيح لما فيه من الاضطراب، وفي بعض ألفاظه نكارة).([58])
أ.هـ
قلت: قال رشيد رضا: (وجملة القول فيه أن ما فيه من العلل والاختلاف
والإشكال من عدة وجوه يدل على أنه مصنوع وأنه على تقدير صحته ليس له كله حكم
المرفوع).([59])
كما لا بد من الإشارة هنا أنه لا يسلم هنا دعوى العمل
بالحديث الضعيف، ذلك لأن قضايا الفتن والمستقبل ليست من فضائل الأعمال ابتداءً بل
هي أمور غيبية، والحديث عنها بغير علم ولا دليل لا يجوز، ومن قال بجواز العمل
بالضعيف وضع لها شروطاً دقيقة، لا تتوافر هنا([60]).
ثانياً: التحري في ألفاظ الحديث
الصحيح نفسه، فقد يكون في بعضها ألفاظ شاذة، أو زيادات لم يقبلها العلماء، ومن ذلك: حديث حذيفة بن اليمان فقد ورد بألفاظ صحيحة أخرجها الشيخان([61]).
وأخرجه مسلم من طريق فيه زيادة بلفظ: «قال: تسمع
وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع»([62]). فهذه اللفظة لم ترد في سائر الروايات الصحيحة، وهي غير صحيحة([63])،
ومن هنا يتبين كم هي مهمة الباحثين والدارسين دقيقة إذ يوردون هذه الرواية.
وبعضهم يورد حديث الطائفة المنصورة([64])، ثم يورد زيادة لا تصح، وهي: «أنتم شرقي النهر وهم غربيه»([65]).
ثالثاً: التحري في الفهم الدقيق
للنصوص القائم على جمع الألفاظ ابتداءً وضبطها، وأن يكون هذا الفهم مسترشداً بفهم الراسخين في العلم، منضبطاً بقواعد اللغة،
والقواعد الأصولية المعروفة عند أهل العلم، ملاحظاً أساليب العرب في الخطاب، مع
معرفة مدلولات الألفاظ، وملاحظة النظرة الشمولية للنصوص، مبتعداً عن التأويل من
غير ضوابطه الشرعية المعروفة؛ حذراً أن يقع في شيء من التحريف، أو اتباع الهوى في
التعامل مع النصوص، أو ليّ اعناقها([66]).
ومن أمثلة ذلك: حديث جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله ﷺ قال: «لاَ يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى
تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ
مِنْ قُرَيْشٍ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: عُصَيْبَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى أَوْ آلِ كِسْرَى»([67])،
فيفسرون البيت الأبيض بأنه مركز الحكم في أمريكا.
كما أن بعضهم يظن أن حديث ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ
ﷺ ، قَالَ: «لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ، فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ حَتَّى يَقُولَ
الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ»([68])
على صراعنا مع يهود اليوم، بينما لو جمع كل ألفاظه لتبين أنه في وقت ظهور الدجال
ونزول المسيح([69]).
رابعاً: البعد عن التنزيل الخاطئ
أو المتسرع على الواقع، وأن لا يتم هذا التنزيل إلا بدليل
صريح بيّن لا لبس فيه، مع التثبت من الصحة، ومراجعة أهل العلم، وعدم الجزم في كل
ذلك، وعدم بناء مواقف على هذا التنزيل، بل تتخذ المواقف بناء على أحكام الشرع
والواقع الذي يعاش، إذ للتنزيل الخاطئ آثار خطيرة؛ منها: أن يقع تكذيب الله ورسوله
ﷺ ، إذ لا توافق الواقع، ويجعل النالس يعيشون في أوهام، وربما أوقع الناس في
اليأس، وربما اتخذوا مواقف خاطئة، وفيه تعطيل النصوص عن مقاصدها([70])،
فضلاً عن تقويل النبي ﷺ ما لم يقله.
وقد يؤدي إلى القيام بعمل غير مشروع، أو ترك لعمل مشروع،
أو تهيئة الجو لتصديق دعاة الضلالة، أو تستغل استغلالاً سيئاً لتحقيق أغراض خاصة.
ولعلّ في
إيراد بعض الأمثلة للتنزيل الخاطئ ما يوضح الأمر:
فعندما كانت واقعة الحرب الأمريكية على العراق وجدنا من
ينزل عليها حديث عوف بن مالك t قال: «أتيت
النبي ﷺ في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: اعدد
ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم مُوتانٌ يأخذ فيكم كقعاص الغنم،
ثم استفاضة المال حتى يعطي الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من
العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدِرون، فيأتونكم تحت
ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً»([71])، فإذ ورد في الحديث كلمة ثمانين غاية؛ وإذ اشترك في هذه الحرب ثلاثون دولة،
وحيث أن أمريكا خمسون ولاية؛ وجدت من يقول: إن الحديث يتكلم عن ذلك، لا شك أن هذا
تنزيل خاطئ جداً، وقد ورد حديث عوف بزيادة فيها: «ثُمَّ يَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ فَيُقَاتِلُونَكُمْ وَالْمُسْلِمُونَ
يَوْمَئِذٍ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا
دِمَشْقُ»([72])، فتجد من يحمل الحديث على أحداث سوريا اليوم.
وقد سمعت بعضهم ينزل حديث ذِي مِخْبَرٍ، رَجُلٍ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ ، قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِﷺ يَقُولُ: «سَتُصَالِحُكُمُ الرُّومُ صُلْحاً
آمِناً ثُمَّ تَغْزُونَ وَهُمْ عَدُوًّا، فَتُنْصَرُونَ وَتَسْلَمُونَ
وَتَغْنَمُونَ، ثُمَّ تَنْصُرُونَ الرُّومَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي
تُلُولٍ، فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ صَلِيباً؛ فَيَقُولُ: غلَبَ
الصَّلِيبُ، فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَقُومُ إِلَيْهِ
فَيَدُقُّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَغْدِرُ الرُّومُ وَيَجْمَعُونَ لِلْمَلْحَمَةِ»([73])،
على أن المقصود به أن أهل السنة يتحالفون مع الغرب «النصارى» لمقاتلة الشيعة، إن
كل هذا مما يخشى فيه أن نقع في التقوُّل على رسول الله ﷺ مما لم يقله أو لم يرده، أو أن نتخذ مواقف لا
تصح.
ومن الأمثلة في هذا الصدد عندما حوصرت العراق أخذ بعضهم
يردد حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّأْمُ
مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ
مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ
حَيْثُ بَدَأْتُمْ»([74])
وأخذوا يبنون على ذلك أن الحصار التالي للشام ولمصر، مع أننا لو تأملنا الحديث لا
يتكلم على حصار الآخرين للعراق، وإنما يتكلم عن امتناع العراق عن آداء ما عليها، وبالتالي
لا يمكن أن يكون مرتبطاً بواقعنا الآن.
وأغرب من ذلك أن بعض الباحثين يورد حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللهِ ﷺ : «أَوَّلُ هَذَا الْأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ
خِلَافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً
وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ([75])، فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ،
وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلَانُ»([76])
فيقول المقصود به الأحداث التي تجري في غزة الآن، (من 2006) باعتبار غزة جزء من
عسقلان التاريخية([77]).
ومن النماذج الخطيرة في سوء التنزيل، والفهم، مع كونها
لا تصح:
ما رواه أبو نعيم، قال: حدثنا الْوَلِيدُ، وَرِشْدِينُ،
عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ أَبِي رُومَانَ، عَنْ عَلِيِّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ t قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ
السُّودَ فَالْزَمُوا الْأَرْضَ فَلَا تُحَرِّكُوا أَيْدِيَكُمْ، وَلَا
أَرْجُلَكُمْ، ثُمَّ يَظْهَرُ قَوْمٌ ضُعَفَاءُ لَا يُؤْبَهُ لَهُمْ، قُلُوبُهُمْ
كَزُبَرِ الْحَدِيدِ، هُمْ أَصْحَابُ الدَّوْلَةِ، لَا يَفُونَ بِعَهْدٍ وَلَا
مِيثَاقٍ، يَدْعُونَ إِلَى الْحَقِّ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ، أَسْمَاؤُهُمُ
الْكُنَى، وَنِسْبَتُهُمُ الْقُرَى، وَشُعُورُهُمْ مُرْخَاةٌ كَشُعُورِ
النِّسَاءِ، حَتَّى يَخْتَلِفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ
الْحَقَّ مَنْ يَشَاءُ»([78]). فيوردها البعض لينزلها على واقعنا، وهي مما لا يصح ففيها ابن لهيعة، وأبو
قبيل([79])، وكلاهما مضعف، وهي رواية موقوفة والأرجح أن ذلك مما وضع لنصرة العباسيين،
بدليل الرواية التالية، وإن كانت لا تصح أيضاً:
قال أبو نعيم: حَدَّثَنَا سَعِيدُ أَبُو عُثْمَانَ،
حَدَّثَنَا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: «إِذَا بَلَغَتْ
سَنَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَاخْتَلَفَتْ سُيُوفُ بَنِي أُمَيَّةَ،
وَوَثَبَ حِمَارُ الْجَزِيرَةِ فَغَلَبَ عَلَى الشَّامِ، ظَهَرَتِ الرَّايَاتُ
السُّودُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ، وَيَظْهَرُ الْأَكْبَشُ مَعَ
قَوْمٍ لَا يُؤْبَهُ لَهُمْ، قُلُوبُهُمْ كَزُبَرِ الْحَدِيدِ، شُعُورُهُمْ إِلَى
الْمَنَاكِبِ، لَيْسَتْ لَهُمْ رَأْفَةٌ وَلَا رَحْمَةٌ عَلَى عَدُوِّهِمْ،
أَسْمَاؤُهُمُ الْكُنَى، وَقَبَائِلُهُمُ الْقُرَى، عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ كَلَوْنِ
اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يَقُودُ بِهِمْ إِلَى آلِ الْعَبَّاسِ وَهْنَى
دَوْلَتُهُمْ، فَيَقْتُلُونَ أَعْلَامَ ذَلِكَ الزَّمَانِ حَتَّى يَهْرُبُوا
مِنْهُمْ إِلَى الْبَرِيَّةِ، فَلَا تَزَالُ دَوْلَتُهُمْ حَتَّى يَظْهَرَ
النَّجْمُ ذُو الذَّنَابِ، وَيَخْتَلِفُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ»([80]).ولا تصح ففيها الجعفي، متهم([81])، وهي معضلة.
خامساً: سياق أحاديث الفتن
والمستقبل في إطار من إدراك كامل لمقاصدها وحكَمِها، وعرضها بما يحقق هذه المقاصد والحكم، ومنها الإشارة إلى أنها من أعلام
النبوة، ومن وجوه معجزاته إن صحت وثبتت، وسياقها بما يعزز الإيمان في القلب، ويجعل
منها تنبيهاً للأمة أو تحذيراً لها أن تقع في أسباب هذه الفتن، وإن وقعت فلكي تسعى
الأمة للعلاج في ضوء الهدي النبوي، وأن تساق هذه الأحاديث لتحرير المسلم من الخور
والضعف والهزيمة النفسية ولبث الأمل في النفوس([82])؛
إذ كثير من هذه النصوص يتحدث عن قضايا مشرقة أيضاً مثل الطائفة المنصورة([83]).
وحديث ثَوْبَان، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا
وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ
الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُمَّتِي أَنْ
لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا
مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ
إِنِّى إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ
لأُمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ
عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ
اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا - أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا
- حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا»([84]).
وحديث تَمِيمٍ الدَّارِي، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا
الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلاَ يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ
وَلاَ وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ
بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلاَمَ وَذُلاًّ يُذِلُّ
اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ»([85])،
وأن تساق هذه النصوص ليستضاء بها في فهم الواقع المعاش، مع دقة المعالجة، كما
أشرنا من قبل، في التحذير من التنزيل الخاطئ.
سادساً: النظرة الشاملة، وعدم
النظرة الجزئية للنصوص:
يغلب على بعضهم التعامل مع النصوص مجزأة؛ من غير أن يكون
هنالك نظرة شاملة، سواء ما يتعلق بموضوعنا «أحاديث الفتن والمستقبل» أو غيرها من
الموضوعات، فتجد البعض يقتصر على إيراد بعض الأخبار عن الفتن دون أن يضعها في
سياقها من مجمل الأحاديث المتصلة بالموضوع، وقد يكون بعضها متمم للصورة، كأن يكون
فيه بث روح الأمل، أو تفسيير أو بيان للمراد، وهذه النظرة الجزئية للنصوص مرتبطة بظاهرة
أخرى تفشت في عصرنا وهي ظاهرة التدين الفردي والتجزيئي، فتجد بعض المسلمين حريصاً
على أداء صلاته وعبادته، لكنه لا علاقة له بواقع الأمة لا من قريب ولا من بعيد،
كما قد تجده يأخذ بجانب من الإسلام كالعبادات، لكنه في ميدان المعاملات والأخلاق
هو شخص أخر، لا شك إن ظاهرة النظرة التجزيئية للنصوص انعكست في جوانب حياتنا كلها،
بما فيها قضية أحاديث المستقبل.
ومن ذلك حسن الفهم لحديث حذيفة بن اليمان : «كان الناس
يسألون رسول الله ﷺ عن الخير...»([86])، ولا يتم إلا بجمع طرقه وألفاظه، مع ربطه بحديث آخر وهو
حديث: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون»([87]).
وكذا من هي الطائفة المنصورة([88]) الواردة في الحديث؛ فإنه لا يتم تحديدها إلا بجمع كل ألفاظ الحديث.
سابعاً: الاقتصار على نصوص القرآن
والسنة والبعد عن المصادر الأخرى، إذ لاحظنا
أن البعض ربما يرجع إلى كتب غير موثقة، مثل ما يسمى «الجفر» أو من كتاب يسمى «شمس
المعارف» أو من كتب جمعت الغث والسمين، ككتاب «عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر»،
للسلمي، وكتاب «الفتن والملاحم»، لنعيم بن حماد المروزي، بل وربما لجأ بعضهم إلى
الروئ والمنامات، وكل ذلك من الأخطاء الخطيرة، فضلاً عن أن البعض قد يلجأ إلى
العهد القديم أو الجديد، ويستصدر أحكاماً، ويفسر واقعاً، ويثبت وقائع لا تمت إلى
العلم بصلة، خذ مثلاً ما قاله فاروق الدسوقي في كتابه «القيامة
الصغرى على الأبواب»: (ولما شعرت بخطر شخصية السفياني، وعظم الأحداث والفتن التي
تعاصره، رجعت للكتاب المقدس، لكي أجمع كل النصوص التي تتحدث عنه أو جلها، وتفسيرها
في ضوء القرآن الكريم) إلى أن يقول: (وإذا بجميع هذه النصوص والأخبار عن هذه
الشخصية في الوحيين القديم والخاتم، تتطابق مع واقع الرئيس العراقي المعاصر من حيث
الصفات والأحداث)([89])، فانظر إلى خطورة هذا التفكير، وخطورة هذه المنهجية، مع أن شيئاً من ذلك
لا يصح.
ثامناً: مراجعة العلماء المحققين
قبل القطع بثبوت حديث أو فهم ما؛ أو تنزيل
على واقع، مع التحري الشديد والتأني في ذلك؛ إذ نجد البعض ربما سارع إلى تنزيل
ليبرهن على قدرته على الاكتشاف والمعرفة، وعلى هذا المنهج في التحري جرى السلف
الصالح.
فعَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ، قَالَ:
سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ t، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ
رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي
الفِتْنَةِ، قُلْتُ أَنَا كَمَا قَالَهُ: قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا
لَجَرِيءٌ، قُلْتُ: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ
وَجَارِهِ، تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ، وَالأَمْرُ
وَالنَّهْيُ»، قَالَ: لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، وَلَكِنِ الفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ
كَمَا يَمُوجُ البَحْرُ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ
المُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: أَيُكْسَرُ
أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا، قُلْنَا:
أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ البَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ الغَدِ
اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ
حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: البَابُ عُمَرُ([90]).
وفي
حديث أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى
إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذاك، ثم قال:
يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدي، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل
الروم ثم سكت هنية، ثم قال: قال رسول الله ﷺ
: «يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً لا يعده عدداً» قال: قلت لأبي نضرة
وأبي العلاء: أتريان أنه عمر بن عبد العزيز فقالا: لا.([91])
تاسعاً: البعد عن المشكل من
الروايات، إذا كان المتحدث ممن لا يستطيع إزالة اللبس أو الإشكال فيه:
ولعلّ من أمثلة ذلك حديث ابن صياد([92])؛
وفيه إشكالات كثيرة([93])؛
فيصور النبي ﷺ أنه لا يعرف ﷺ من أمره شيئاً، وهو الذي يوحى
إليه بما هو دون ذلك بكثير، وكيف يجوز أن يتخفى رسول الله ليعرف حاله، وكيف يتوقف
أمر معرفة النبي ﷺ له على استراق
السمع، ثم كيف يقول له «خبأت لك خبأً» ويطلع ابن صياد على بعضه، إذ قرر مسبقاً أنه
خلط عليه، ويستحيل أن يوحى إليه (أي إلى ابن صياد)، فما بقي إلا أن يلقى إليه من
الشياطين، فكيف يسأله عن أمر لا يمكن أن يعرف لأنه من الغيب؛ والشياطين لا يعرفون
الغيب، والذي أريد أن أقوله هنا: أن بعضاً يورد هذا الحديث وليس له القدرة على
تنقية هذه الروايات أو الإجابة عن إشكالاتها.
ومن أمثلة ذلك: حديث النواس بن سمعان، وهو حديث طويل في
ذكر الدجال([94])،
وهذا الحديث فيه إشكالات عدة يحتاج الأمر إلى التوقف عندها؛ كقصة قتل الرجل ثم
إحيائه، والأصل أن هذا من خصائص الألوهية، فإذ يورد بعضهم الحديث دون بيان فقد يُشكِل
على السامع، فنجد بعضهم يهتم بسرد هذه الروايات بقصد التأثير أو الامتاع أو الإغراب،
لكن دون قدرة على البيان، أو النقد، وإزالة الإشكال.
عاشراً: البعد عن التكلف في فهم
النصوص:
وكذا لا يشترط أن تربط كل فتنة تجدُّ أو حادثة تحدث بنص
شرعي، ومن نظر فيما مر بالأمة من أحداث جسام علم صحة هذا،
وأن الله قد يقدر على العباد أموراً ولا يخبرهم بها، بل هذا الأصل، فقد هدمت
الكعبة في عهد الحجاج، واعتدي على الحجيج في المسجد الحرام، وأخذ الحجر الأسود
أيام القرامطة، ووقعت الحروب الصليبية، واحترق المسجد الأقصى في ظل الاحتلال، وليس
فيما بين أيدينا من النصوص الصحيحة إشارة إلى مثل هذه الحوادث، فلا يصح والحالة
هذه أن نفتعل صلة بين النصوص وهذه الحوادث فنحمٍّلها ما لا تحتمل، أو نلوي أعناقها
لتدل عليها، فنجد بعض الكتّاب في هذا الباب ما إن تُلم بالمسلمين فتنة أو مصيبة
إلا ويبادرون بإخراج الكتاب تلو الكتاب ليكشفوا عما قال النبي ﷺ فيها، فإذا قرأت وفتشت لم تجد صلة بين الأمرين.
حادي عشر: عدم تحديد تواريخ وأوقات
معينة لوقوع الفتن أو الملاحم أو الأحداث الكبرى:
قال
القرطبي: (والذي ينبغي أن يقال به في هذا الباب أن ما أخبر به النبي ﷺ من الفتن والكوائن أن ذلك يكون، وتعيين الزمان
في ذلك من سنة كذا يحتاج إلى طريق صحيح يقطع العذر، وإنما ذلك كوقت قيام الساعة؛
فلا يعلم أحد أي سنة هي ولا أي شهر)([95]).
إنه نظراً لوجود نصوص تتكلم في ظاهرها عن مقدار عمر
الأمة، كحديث ابْنِ عُمَرَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ، قَالَ: «إِنَّمَا
أَجَلُكُمْ فِيمَا خَلا مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلَى
مَغْرِبِ الشَّمْسِ»([96])،
وحديث سعد بن أبي وقاص t عن النبي ﷺ قال: «إِني لأرجو أن لا يُعجِزَ الله أُمّتي عند
ربِّها: أن يؤخِّرَهُم نِصفَ يوم، قيل لسعد: وكم نصف يوم؟ قال: خُمسمائة سنة»([97])؛
وجدنا من يفسر اليوم بأنه ألف سنة، وأن المقصود أن عمر الأمة 1500 عام، بينما لو
اقتصروا على الصحيح وأحسنوا الفهم لعلموا أن المقصود من ذلك التمثيل إلى قرب
الساعة نسبياً، لما في حديث أَبِي مُوسَى